dimanche 2 janvier 2011

نبذة تاريخية عن مفهوم المواطنة

نبذة تاريخية عن مفهوم المواطنة   
يعد الحفر في الأصول اللغوية والاصطلاحية للمواطنة في الفكر العربي والغربي أمراً لا يقتضيه اختلاف النظم المرجعية التي استمدت منها المفاهيم فحسب ،بل يضاف إليه اختلاف حقول المعرفة التي كانت محتضنا مباشراً لكل مصطلح وموجهاً لدلالته في الثقافتين العربية والغربية ومن ثم تتضح أهمية تأصيل المفهوم وبحثه في إطار المحا ضن الفكرية بمنطلقاتها المرجعية  والتي توجب على الباحث القراءة التاريخية لهذا المصطلح.
 لقد أقترن مبدأ المواطنة بحركة نضال التاريخ الإنساني من أجل العدل والمساواة والإنصاف. وكان ذلك قبل أن يستقر مصطلح المواطنة وما يقاربه من مصطلحات في الأدبيات السياسية والفكرية والتربوية، وتصاعد النضال وأخذ شكل الحركات الاجتماعية منذ قيام الحكومات الزراعية في وادي الرافدين مروراً بحضارة سو مر وأشور وبابل وحضارات الصين والهند وفارس وحضارات الفينيقيين والكنعانيين .
وأسهمت تلك الحضارات وما انبثق عنها من أيديولوجيات سياسية في وضع أسس للحرية والمساواة تجاوزت إرادة الحكام فاتحة بذلك آفاقاً رحبة لسعي الإنسان لتأكيد فطرته وإثبات ذاته وحق المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات وتحديد الخيارات الأمر الذي فتح المجال للفكر السياسي الإغريقي ومن بعده الروماني ليضع كل منها أسس مفهومه للمواطنة والحكم الجمهوري ( الذي كان يعني حتى قيام الثورة الأمريكية في أواخر القرن الثامن عشر ، الحكم المقيد في مقابلة الحكم المطلق وليس الحكم الجمهوري كما نفهمه اليوم ) وقد أكد كل من الفكر السياسي الإغريقي والروماني في بعض مراحلها على ضرورة المنافسة من أجل تقلد المناصب العليا و أهمية إرساء أسس مناقشة السياسة العامة باعتبار ذلك شيئاً مطلوباً في حد ذاته.
تعتبر دولة الإغريق هي أول من توصلت إلى معنى لمفهوم المواطنة المعاصرة في التاريخ والذي اعتبر نموذجاً للممارسة الديمقراطية في أثينا. على الرغم من قصور هذا المفهوم من حيث الفئات التي يمثلها وعدم تغطيته لبعض النواحي التي يتضمنها المفهوم المعاصر للمواطنة إلا انه قد نجح بتحقيق المساواة على قاعدة المواطنة بين الأفراد المتساوين وذلك من خلال إقرار حقهم في المشاركة السياسية الفعالة وصولاً إلى تداول السلطة ووظائفها العامة.
لاحظ اليونانيون بعقلهم الفلسفي الثاقب إن الكون بما فيه من حيوان ونبات وجماد يسير حسب نظام محدد وقواعد لا تتبدل، فاعتقدوا بوجود قوة عليا تسير حسب نظام محدد وقواعد لا تتبدل فاعتقدوا بوجود قوة عليا تسيّر الكون، أطلق عليها بعض فلاسفتهم اسم (الطبيعة) ونسبها آخرون (الآلهة) وذهب كل من هؤلاء وأولئك إلى اعتبار أحكام (نظام الطبيعة)، أو قانونها عامة وأولية وثابتة، ولذلك احلوا هذا القانون في المحل الأول بالنسبة للقانون الذي هو من صنع البشر واعتبروا قانون الطبيعة صورة العدل المطلق أو القانون الصالح كما نسب إلى أفلاطون في كتابه ((القوانين)) وأما أرسطو فقد اسماه بالعدل الطبيعي الذي أعدته الطبيعة ليعم على جميع الناس، بينما قال عن القانون الوضعي انه العدل التشريعي أو العرفي وهو خاص وضعته كل امة لنفسها.
استنتج اليونانيون من هذا التصوير أن على كل مشرع من البشر أن يجعل من القانون الطبيعي مثله الأعلى الذي يسعى إلى تشريع قوانينه على منواله أو على الأقل أن تكون قريبة منه، حتى إذا تعارضت أحكام القانون الوضعي مع سقراط، وقد طورت بعض المدارس الفلسفية هذه الفكرة وصاغت منها نظريات في الأخلاق تقوم على الزهد والتقشف
وقد استمد الرومان مبادىء العدالة في أول الأمر من قانون الشعوب وبعد ذلك من مفهوم القانون الطبيعي الذي نادت به الفلسفة اليونانية.
كان القانون القديم قد وضع للرومان وحدهم أما الأجنبي عنهم فكانوا يقولون بان ليس له أن يتمتع بالحقوق إلا في بلده الأصلي، غير أن الرومان ما لبثوا أن غيروا نظرتهم إلى هذه إلى الأجانب فسمح للأجنبي أن يقيم في روما إذ احتمى مؤقتاً بأحد الرومان اوخضع له بصورة دائمة كنزيل لديه هذا بصورة فردية وإما بصورة جماعية فقد أبرمت روما مع المدن معاهدات تقضي بحماية رعايا كل مدينة إذا جاءوا إلى المدينة الأخرى .
ولعل الحضارات القديمة والشرائع والأديان، قد ساهمت في وضع أساس للمساواة أعلى من إرادة الملوك والحكام لقيم أسس العدل والمساواة في الأرض مبتدئة بذلك خطوات حسنة لسعي الإنسان إلى تأكيد إنسانيته وحقوقه واعتباره، مما أدى ذلك بالفكر الروماني السياسي والقانوني بتحديد أسس المواطنة والحكم الجمهوري.
وبعد تراجع مبدأ المواطنة في الفكر السياسي خلال العصور الوسطى واندثار التجارب الديمقراطية المحددة في ظل الحضارتين الإغريقية والرومانية، تم العمل على إعادة اكتشاف مبدأ المواطنة عند بروز بوادر النهضة الأوربية نتيجة حركات الإصلاح الديني وما تلاها من حركات النهضة والتنوير في الحياة السياسية، حيث استفاد هذا الفكر من الفكر السياسي الإغريقي والفكر الروماني.
وأفرزت تلك التجارب التاريخية معانٍي مختلفة للمواطنة فكراً وممارسة تفاوتت قرباً وبعداً من المفهوم المعاصر للمواطنة حسب آراء المؤرخين. وحتى في التاريخ المعاصر تنوعت إفرازات مفهوم المواطنة بحسب التيارات الفكرية السياسية والاجتماعية التي لا يمكن قراءتها وفهمها ونقدها بمعزل عن الظروف المحيطة بها  أو بعيداً عن الزمان والمكان بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والأيديولوجية والتربوية ، ومن ثم لا يمكن التأصيل السليم لمفهوم المواطنة باعتباره نتاجاً لفكر واحد مبسط وإنما باعتبار أنه نشأ ونما في ظل محا ضن فكرية متعددة تنوعت نظرياتها وعقائدها بل وظروف تشكلها على المستوى المحلي والقومي والدولي .  ولأن قضية المواطنة محوراً رئيساً في النظرية والممارسة الديمقراطية الحديثة ، فإن تحديد أبعادها وكيفية ممارستها ينبع من الطريقة التي يمنح بها هذا النظام أو ذاك حقوق المواطنة للجميع ومدى وعي المواطنين وحرصهم على أداء هذه الحقوق والواجبات.
 دشنت الثورة الفرنسية الكبرى عام 1798 الخطوات الأولى لتثبيت الحقوق المدنية / الاجتماعية للمواطن/ الإنسان حيث جاءت تلك النقلة النوعية نتيجة للصراع الضاري بين الملكية المطلقة وقوانينها الإقطاعية وبين البرجوازية المكافحة في سبيل نشر علاقات الإنتاج الرأسمالية وسوقها الوطنية الموحدة، وما يشترطه ذلك من تحرير القوى المنتجة المكبلة بملكية الأرض وموروثها الإقطاعي.وهنا من المفيد التذكير بأن مفهوم المواطنة ارتبط في فكر الثورة البرجوازية بوحدة الوطن ووحدة أسواقه الداخلية، لذلك فان شعار" دعه يمر دعه يعمل" يلخص رفض البرجوازية الثورية لنمط الإنتاج الإقطاعي المبني على التجزئة وتقييد حركة القوى المنتجة.
لقد كرست الثورة الفرنسية رؤيتها للعالم الجديد بإعلان حقوق الإنسان ,والدفاع عنها بعد إغناءها بروح المواطنة وبذلك رفعت البرجوازية الصاعدة مصالحها الطبقية إلى مصاف مصالح الوطن والأمة.
إن الأفكار التي نادت بها الثورة الفرنسية المرتكزة على اعتبار المواطن أساس شرعية الحكم وديمقراطيته انتشرت بسرعة كبيرة بعد تحولها إلى أداة لدك العالم القديم المتمثل بالحكومات الملكية الإقطاعية ومؤسسات حكمها المطلق. وفي هذا الاتجاه نشير إلى أن حقوق الإنسان المواطن الذي جرى تجسيدها في قوانين نابليون عام 1804 شكلت عوامل دافعة لانتصارات الثورة الفرنسية في القارة الأوربية.

زود التطور الكبير الذي أحدثته الثورة الفرنسية بجانبيه الفكري / السياسي الحركات اليسارية العمالية ببرامج جديدة لتطور حركتها الثورية الصاعدة, حيث استطاعت كومونة باريس ورغم قصر ممارستها السياسية في تثبيت الكثير من الحقوق الفعلية للمواطن العامل, الأمر الذي استفادت منه ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى حينما ركزت على الجوانب السياسية / الاجتماعية التي نادت بها الثورات البرجوازية/ الديمقراطية وربطتها بخيارها الاشتراكي بعد نقل حقوق الإنسان من إطارها الشمولي العام ووضعها في محيطها الطبقي، الذي تجسد بمرسوم حقوق الشعب العامل الذي أصبح صيغة قانونية شاملة جرى اعتمادها في دستور جمهوريات الاتحاد السوفيتي الاشتراكية.
أدى انقسام العالم إلى ازدواجية خيار التطور الاجتماعي رأسمالي / اشتراكي إلى نشوء حالة من التوازنات الدولية تجسدت في ظهور الأمم المتحدة التي أصبحت ميداناً دولياً للصراع بين الأيدلوجيتين المتناقضتين الأمر الذي سمح بإصدار الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان التي جرى إقراراها في الجمعية العمومية عام 1948 حيث تمت المزاوجة بين الحقوق السياسية والاجتماعية للإنسان حيث جاء في مقدمتها التأكيد على ضرورة خلق عالم ( يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة ).
ساعد انهيار نموذج الدولة الاشتراكية وولوج العالم مرحلة الرأسمالية المعولمة على إعلاء شأن الحقوق السياسية للإنسان / حق الرأي، التظاهر، حرية الصحافة وتشكيل الأحزاب بموازاة تخفيض الضمانات الاجتماعية للإنسان، ويقترن تغييب الحقوق الاجتماعية للمواطن بالليبرالية الجديدة الساعية إلى تفكيك آليات تدخل الدولة في تطوير الضمانات الاجتماعية للإنسان المواطن. وفي هذا السياق تبرز مفاهيم جديدة منها عالمية المواطن، وما يعنيه ذلك من نقل مصير الإنسان وحقوقه إلى قوى مجهولة لن تستطع الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية من خوض صرا عات وطنية ملموسة لنيل حقوقها الاجتماعية ، وبهذا السياق تتساوى الليبرالية الجديدة الأمريكية مع الفوضوية الرافضة للحدود والسلطة الوطنية رغم اختلاف النزعتين التاريخيتين. وفي هذا المنحى نشير إلى أن رفض الدستور الأوربي جاء تعبيراً عن جوهر الصراعات الجديدة بين الحقوق الوطنية الملموسة التي جسدتها قوانين السوق الاجتماعي في دول الرفاه الاجتماعي وبين سعي الاحتكارات الدولية الرامي إلى صياغة حقوق هلامية ومواطنة عالمية شكلية لا تلزم المؤسسات الدولية بأية معايير اجتماعية، بهذا المعنى فان الصراع المحتدم حول الدولة والمواطنة في أوربا سيبقى السمة المميزة لتطورات العولمة في ظروفنا التاريخية الملموسة.
تدعو الليبرالية الجديدة بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلى نشر الديمقراطية وتفكيك المراكز القمعية للدول التسلطية إلا أن شعاراتها الديمقراطية لا تترابط والدعوة إلى حقوق المواطنة وذلك لاعتبارات عدة منها:
ـ تسعى الليبرالية الجديدة إلى تفكيك دور الدولة في رعاية الضمانات الاجتماعية، بمعنى تمييع الحقوق الاجتماعية للإنسان بعد نقلها إلى قوى السوق المنفلت.
ـ تهدف العولمة الرأسمالية إلى تفكيك مفهوم المواطنة بعد تمييع دور الدولة وذلك من خلال تشتيت دائرة انتماء الإنسان إلى قوى وتجمعات احتكارية كبرى في المراكز الرأسمالية وتجمعات بدائية / الطائفة / العشيرة / العرق في الدول الوطنية الأمر الذي يعني تحجيم الولاء للوطن والكفاح في إطاراته السياسية / الجغرافية.
ـ الليبرالية الجديدة تدعو إلى التركيز على الحقوق السياسية للإنسان دون الحقوق الاجتماعية، و بهذا المعنى فإنها تطلق العنان لحرية الفوضى والتفكك والصراعات الاجتماعية.
تلخيصاً لما جرى استعراضه نحاول صياغة بعض الاستنتاجات الضرورية:
1: ـ ترتبط حقوق الإنسان ارتباطاً وثيقاً بطبيعة نمط الإنتاج السائد تاريخيا. بكلام آخر إن حقوق الإنسان ذات معطى تاريخي متغير تأخذ أشكالها الملموسة استناداً إلى مضامين الصراعات الاجتماعية السائدة في اللحظة التاريخية الملموسة.
2: ـ يرتبط مفهوم المواطنة ارتباطاً وثيقاً بظهور الدولة القومية وما نتج عن ذلك من تلازم مفهومي المواطنة والدولة وعلاقة ذلك بالشرعية الوطنية للنظام السياسي.
3: ـ هناك علاقة بين المواطن والوطنية والديمقراطية. بكلام آخر إن الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة الوطنية تدفع المواطن للدفاع عن المصالح الوطنية. وبعكسه فان سيادة الاستبداد والاستحواذ على الثروة الوطنية تعني انهيار المواطنة وفضلاً عن مستلزمات الدفاع عن الوطن.
4: ـ يتعرض مفهوم المواطنة خاصة في الدول الوطنية إلى انتهاكات صارخة تتمثل في طبيعة النظم الاستبدادية من جهة وميول العولمة الرأسمالية الهادفة إلى تفكيك مفهوم الدولة من جهة أخرى.
وفي القرن الحادي والعشرين شهد مفهوم المواطنة تطوراً مال به منحى العالمية وتحددت مواصفات المواطنة الدولية على النحو التالي:

- الاعتراف بوجود ثقافات مختلفة .
- احترام حق الغير وحريته.
- الاعتراف بوجود ديانات مختلفة .
- فهم وتفعيل أيديولوجيات سياسية مختلفة .
-  فهم اقتصاديات العالم .
- الاهتمام بالشؤون الدولية .
- المشاركة في تشجيع السلام الدولي .
- المشاركة في إدارة الصراعات بطريقة اللاعنف.

وهذه المواصفات لمواطن القرن الواحد والعشرين يمكن فهمها بشكل أفضل في صورة كفاءات تنميها مؤسسات المجتمع لتزيد فاعلية الارتباط بين الأفراد على المستوى الشخصي والاجتماعي والمحلي والقومي والدولي ويكون ذلك بتنمية قدرات معينة للتفكير تحسم وتنظم في الوقت نفسه الاختلافات الثقافية ، ومواجهة المشكلات والتحديات كأعضاء في مجتمع عالمي واحد .
ويستند هذا المنحى في إرساء مبدأ المواطنة العالمية على ركيزتين:

الأولى: عالمية التحديات في طبيعتها كعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية ، والامتلاك غير المتساوي لتقنيات المعلومات وانخفاض الخصوصية ، والتدهور البيئي وتهديد السلام .
الثانية: أن هناك أمماً ومجتمعات ذات ديانات وثقافات وأعراف وتقاليد ونظم مختلفة.

ولقد أسفرت الاجتهادات الغربية المعاصرة لتحليل طرفي هذه المعادلة عن تفاعلات جدية تتلخص في صياغة عناصر جديدة للمواطنة ، وتأسيس مصطلح جديد في الخطاب المعاصر  هو (المواطنة العالمية) أو (المواطنة عديدة الأبعاد) التي لخصت في (البعد الشخصي – البعد الاجتماعي – البعد المكاني – البعد الزماني) وأهابت بالمؤسسات السياسية والتربوية تحقيقها من خلال العناصر التالية:
1)   الإحساس بالهوية .
2)   التمتع بحقوق معينة .
3)   المسؤوليات والالتزامات والواجبات .
4)   مسؤولية المواطن في لعب دور ما في الشؤون العامة .
5)   قبول قيم اجتماعية أساسية.
وعلى الرغم مما وصل إليه مفهوم المواطنة من وضوح في الفكر الغربي المعاصر إلا أنه ما زال يشهد في الوعي العربي بعض التداخلات مع مفهوم الانتماء ، ويقتضي ذلك وفق أهداف الدراسة التأصيل النظري لمفهوم الانتماء .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire