lundi 3 janvier 2011

مكونات المواطنة 1

مكونات المواطنة
الوطنية - كما أشرنا سابقاً - ليست مفهوماً سياسياً فحسب، بل إنها مفهوم يستوعب مجالات مختلفة في واقع حياتنا الاجتماعية. وهذا الفكر مقيد بحدود الزمان والمكان. ولا يستطيع البحث العلمي النزيه أن يُجرد الفكر الوطني الإنساني من حدود الزمان والمكان. وإذا كان الإسلام يعطي لمفهوم الأمة تصوراً شاملاً أو كلياً يتخطى حدود المكان والزمان. فإن ذلك التصور لا يتعارض مع تصور الوطنية في حدود الزمان والمكان. ذلك أن التصور السليم للوطنية له مستويان هما:
أ  ‌-  مستوى العلاقة بين الفرد ووسطه الاجتماعي.
ب- مستوى العلاقة بين الفرد والوسط الاجتماعي الإنساني العالمي.
 ورقيِّ الوسط الثاني يعتمد اعتماداً كلياً على رٌقي الوسط الأول. فإذا حافظ الفرد على اتزان حبه وانتماءه لوطنه وأهله وأبناء عشيرته فإنه من الطبيعي أن يحافظ على ذلك بالنسبة للأمة..بل والعالم أجمع.
غير أن القوى العالمية المعاصرة لا تريد للوطنية أن تنمو في هذين المستويين. وإنما تريد هذه القوى استبدال الوطنية/المواطنة المحلية بالتغريب Westernization والوطنية/المواطنة العالمية بالعولمة Globalization ولا شك أن عملية الاستبدال هذه تتم بوسائل الترغيب والترهيب. ووسائل الترغيب كثيرة منها الانضمام إلى اتفاقيات التجارة العالمية والمشاركة في المشروعات وإقامة منطقة تجارية عالمية في المنطقة الإسلامية وغيرها من المنظمات والشركات العالمية. ووسائل الترهيب كثيرة منها: الحرب الإعلامية على القيم الإسلامية، والغزو العسكريهي:ذية الصراعات الطائفية.
للمواطنة عناصر ومكونات أساسية ينبغي أن تكتمل حتى تتحقق المواطنة وهذه المكونات هي:

 I- الانتماء
ا -  مفهوم الانتماء
يشير مفهوم الانتماء إلى الانتساب لكيان ما  يكون الفرد متوحداً معه  مندمجاً فيه ، باعتباره عضواً مقبولاً وله شرف الانتساب إليه ، ويشعر بالأمان فيه ، وقد يكون هذا الكيان جماعة ، طبقة ، وطن ، وهذا يعني تداخل الولاء مع الانتماء  والذي يعبر الفرد من خلاله عن مشاعره تجاه الكيان الذي ينتمي إليه .
ولقد ورد في الانتماء آراء شتى للعديد من الفلاسفة والعلماء و تنوعت أبعاده ما بين فلسفي ونفسي واجتماعي ، ففي حين تناوله ماسلو Maslo  من خلال الدافعية ، اعتبره إريك فروم Fromm   حاجة ضرورية على الإنسان إشباعها ليقهر عزلته وغربته ووحدته ، متفقاً في هذا مع وليون فستنجر Leon Festinger   الذي اعتبره اتجاهاً وراء تماسك أفراد الجماعة من خلال عملية المقارنة الاجتماعية ، وهناك من اعتبره ميلاً يحركه دافع قوي لدى الإنسان لإشباع حاجته الأساسية في الحياة .
وعلى الرغم من اختلاف الآراء حول الانتماء ما بين كونه اتجاهاً وشعوراً وإحساساً أو كونه حاجة أساسية نفسية – لكون الحاجة هي شعور الكائن الحي بالافتقاد لشيء معين،  سواء أكان المفتقد فسيولوجياً داخلياً ، أو سيكولوجياً اجتماعياً كالحاجة إلى الانتماء والسيطرة والإنجاز- أو كونه دافعاً أو ميلاً، إلا أنها جميعاً تؤكد استحالة حياة الفرد بلا انتماء، ذاك الذي يبدأ مع الإنسان منذ لحظة الميلاد صغيراً بهدف إشباع حاجته الضرورية ، وينمو هذا الانتماء بنمو ونضج الفرد إلى أن يصبح انتماءً للمجتمع الكبير الذي عليه أن يشبع حاجات أفراده . ولا يمكن أن يتحقق للإنسان الشعور بالمكانة والأمن والقوة والحب والصداقة إلا من خلال الجماعة ، فالسلوك الإنساني لا يكتسب معناه إلا في موقف اجتماعي، إضافة إلى أن الجماعة تقدم للفرد مواقف عديدة يستطيع من خلالها أن يظهر فيها مهاراته وقدراته ،  علاوة على أن شعور الفرد بالرضا الذي يستمده من انتمائه للجماعة يتوقف على الفرص التي تتاح له كي يلعب دوره بوصفه عضواً من أعضائها.

ب - أبعاد الانتماء 
يعد مفهوم الانتماء مفهوماً مركباً يتضمن العديد من الأبعاد والتي أهمها:  
    
1) الهوية Identity   :
يسعى الانتماء إلى توطيد الهوية، وهي في المقابل دليل على وجوده، ومن ثم تبرز سلوكيات الأفراد كمؤشرات للتعبير عن الهوية وبالتالي الانتماء.

2) الجماعية Collectivism  :
إن الروابط الانتمائية تؤكد على الميل نحو الجماعية ، ويعبر عنها بتوحد الأفراد مع الهدف العام للجماعة التي ينتمون إليها ، وتؤكد الجماعة على كل من التعاون والتكافل والتماسك ، والرغبة الوجدانية في المشاعر الدافئة للتوحد.  وتعزز الجماعية كل من الميل إلى المحبة ، والتفاعل والاجتماعية ، وجميعها تسهم في تقوية الانتماء من خلال الاستمتاع بالتفاعل الحميم للتأكيد على التفاعل المتبادل .

3) الولاء Loyalty  :
الولاء جوهر الالتزام، يدعم الهوية الذاتية ، ويقوي الجماعية ، ويركز على المسايرة ، ويدعو إلى تأييد الفرد لجماعته ويشير إلى مدى الانتماء إليها ، ومع أنه الأساس القوي الذي يدعم الهوية ، إلا أنه في الوقت ذاته يعتبر الجماعة مسئولة عن الاهتمام بكل حاجات أعضائها من الالتزامات المتبادلة للولاء ، بهدف الحماية الكلية .

4) الالتزام Obligation  :
حيث التمسك بالنظم والمعايير الاجتماعية ، وهنا تؤكد الجماعية على الانسجام والتناغم والإجماع ، ولذا فإنها تولد ضغوطاً فاعلة نحو الالتزام بمعايير الجماعة لإمكانية القبول والإذعان كآلية لتحقيق الإجماع وتجنب النزاع.
5) التواد:
ويعني الحاجة إلى الانضمام أو العشرة Affiliation،  وهو- التواد- من أهم الدوافع الإنسانية الأساسية في تكوين العلاقات والروابط والصداقات  ويشير إلى مدى التعاطف الوجداني بين أفراد الجماعة والميل إلى المحبة والعطاء والإيثار والتراحم بهدف التوحد مع الجماعة ، وينمي لدى الفرد تقديره لذا ته وإدراكه لمكانته ، وكذلك مكانة جماعته بين الجماعات الأخرى ، ويدفعه إلى العمل للحفاظ على الجماعة وحمايتها لاستمرار بقائها وتطورها ، كما يشعره بفخر الانتساب إليها.

6) الديمقراطية:
هي أساليب التفكير والقيادة، وتشير إلى الممارسات والأقوال التي يرددها الفرد ليعبر عن إيمانه بثلاثة عناصر:
أ - تقدير قدرات الفرد وإمكانياته مع مراعاة الفروق الفردية، وتكافؤ الفرص، والحرية الشخصية في التعبير عن الرأي في إطار النظام العام، وتنمية قدرات كل فرد بالرعاية الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية.
ب- شعور الفرد بالحاجة إلى التفاهم والتعاون مع الغير ، ورغبته بأن تتاح له الفرصة للنقد مع امتلاكه لمهارة تقبل نقد الآخرين بصدر رحب ، و قناعته بأن يكون الانتخاب وسيلة اختيار القيادات ، مع الالتزام باحترام النظم والقوانين ، والتعاون مع الغير في وضع الأهداف و المخططات التنفيذية وتقسيم العمل وتوزيعه ومتابعته وهي بذلك تمنع الديكتاتورية، وترحب بالمعارض ، مما يحقق سلامة ورفاهية المجتمع .
ج- إتباع الأسلوب العلمي في التفكير  .
في ضوء ما سبق ذكره من أراء متعددة حول الانتماء وجماعة الانتماء،  يمكن استخلاص عدة خصائص ، كمؤشرات لدينامكية العلاقة الجدلية بين الانتماء وجماعة الانتماء أهمها :

·   الانتماء مفهوم نفسي، اجتماعي، فلسفي، وهو نتاج العملية الجدلية التبادلية بين الفرد والمجتمع أو الجماعة التي يفضلها المنتمي.
·   باعتبار الانتماء ذا طبيعة نفسية اجتماعية ، فإن وجود المجتمع أو الجماعة هام جداً كعالم ينتمي إليه الفرد ، حيث يعبر عن الانتماء بالحاجة إلى التجمع  والرغبة في أن يكون الفرد مرتبطاً أو يكون في حضور الآخرين ، وتبدو هذه الحاجة وكأنها عامة بين أفراد البشر .
·   يفضل أن تكون جماعة الانتماء بمثابة كيان أكبر وأشمل وأقوى لتكون مصدر فخر واعتزاز للفرد، وأن يكون الفرد العضو في جماعة الانتماء في حالة توافق متبادل معها ليتم التفاعل الإيجابي بينهم.
·   يعبر عن جماعة الانتماء بالجماعة المرجعية ، تلك التي يتوحد معها الفرد ويستخدمها معياراً لتقدير ألذات ، ومصدراً لتقويم أهدافه الشخصية ، وقد تشمل الجماعة المرجعية كل الجماعات التي ينتمي إليها الفرد كعضو فيها.
·   على الفرد أن يثق ويعتنق معايير ومبادئ، وقيم الجماعة التي ينتمي إليها ومن ثم يحترمها ويلتزم بها.
·   على الفرد نصرة الجماعة التي ينتمي إليها، والدفاع عنها وقت الحاجة والتضحية في سبيلها إذا لزم الأمر مقابل أن توفر الجماعة له الحماية والأمن والمساعدة.
·   أن يكون توحد الفرد مع الجماعة ضمن إطار ثقافي مشترك، وتعتبر اللغة والمعايير الثقافية الأخرى عناصر أساسية للجماعة، ويتحدد مدى الانتماء بدرجة التمسك بها.
·   الانتماء بمثابة حاجة أساسية ( إنسانية ، طبيعة سيكولوجية ) في البناء النفسي ، باعتباره خاصية نفسية اجتماعية .
·   الانتماء متعدد الأنماط، اتساعاً وضيقاً، تباعداً وتكاملاً، وللتنشئة الاجتماعية دور إما في إضعاف الانتماء أو تقويته، إذ عن طريقها يتشبع الفرد بالقيم المعززة للانتماء ومفردات الثقافة كاللغة والفكر والفن.
·   يتأثر الانتماء بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، ولذلك فإن أنماط السلوك التي يصعب تفسيرها أو تبريرها أحياناً ما تكون نتيجة لفشل الفرد في الشعور بالانتماء وإحساسه بالعزلة عن الجماعة.
·   إذا أنكر المجتمع على الفرد إشباع حاجاته ، فإنه- الفرد- قد يتخذ موقفاً سلبياً إن لم يكن أحياناً عدائياً للمجتمع ،إذ قد يلجأ إلى مصادر بديلة ، يوجه إليها اهتمامه  وانتماءه ، وقد تكون مصادر غير مرغوب فيها أحياناً ، ولها عواقبها السيئة على كل من الفرد والمجتمع .
·   لا انتماء بلا حب ولذا  فالحب جوهر الانتماء.
·   يشير ضعف الانتماء إلى الاغتراب  وما يصاحبه من مظاهر السلبية واللامبالاة نحو المجتمع، وغالباً كلما زاد عطاء المجتمع لإشباع حاجات الفرد، كلما زاد انتماء الفرد إليه، والعكس صحيح إلى حد ما.
·  الانتماء يؤدي إلى نمو ألذات وتحقيقها ، وكذا تحقيق تميز الفرد وفرديته ، وتماسك المجتمع .
·   الانتماء يدعم الهوية باعتبارها الإدراك الداخلي الذاتي للفرد، محددة بعوامل خارجية يدعمها المجتمع، والانتماء هو الشعور بهذه العوامل، ويترجم من خلال أفعال وسلوكيات تتسم بالولاء لجماعة الانتماء أو المجتمع.
·   الولاء متضمن في الانتماء والانتماء أساس الوطنية .
·   للانتماء أبعاد حددها البعض بثمانية هي:( الأمان – التوحد – التقدير الاجتماعي – الرضا عن الجماعة – تحقيق ألذات – المشاركة – القيادة – الإطار المرجعي) وبينها جميعاً قدر من الانسجام ويمكن من خلالها دراسة دوافع الانتماء  .
·   الانتماء باعتباره قيمة جوهرية متعدد المستويات بتعدد أبعاد القيمة ( وعي ، وجدان ، سلوك ) ، فهو (مادي) لحظة عضوية الفرد في الجماعة ، و(معلن) لحظة تعبير الفرد عنه لفظياً مؤكداً مشاعره تجاه جماعة الانتماء ، و(سلوكي) عندما يتخذ الفرد مواقف سلوكية حيال جماعة الانتماء ، وقد تكون هذه المواقف إيجابية تعبر عن قوة الانتماء ، أو سلبية تعبر عن ضعف الانتماء  .
وانطلاقاً من أهمية هذا المفهوم في حياة البشر ، والذي أعطاه العلماء والباحثون جل اهتمامهم ، كان من الضروري إعداد وسائل تقيس السلوك والمشاعر المرتبطة بمظاهر الانتماء قوة أو ضعفاً ، مستندا في ذلك إلى نظريات علمية ، ومن ذلك على سبيل المثال محاولة (ريتشارد . م .لي )و (ستيفن . ب . روبنز)- التي استندت إلى نظرية علم نفس ألذات للعالم (هل) 1984 م - في تطوير مقياس الانتماء من خلال مقياس الترابط الاجتماعي ومقياس التأمين الاجتماعي وجاءت أبعاد الأول ( الترابط – التواد – العشرة ) ، وأبعاد الثاني ( التواد- العشرة ) ، بما تتضمن هذه الأبعاد من قيم إيجابية  .
وكذلك حاولت إحدى الدراسات العربية تصميم مقياس للانتماء واستندت في تصميمه إلى سبعة عشر عنصراً – تمحورت في أربعة محاور ( المشاركة – المسؤولية – تقبل أهداف ومعايير المجتمع ، الفخر والاعتزاز بالمجتمع ) – وطبقته ميدانيا على سكان أحد الأحياء في القاهرة  .

ج- التعريفً النظريً للانتماء للوطن
هو اتجاه إيجابي مدعم بالحب يستشعره الفرد تجاه وطنه ، مؤكداً وجود ارتباط وانتساب نحو هذا الوطن – باعتباره عضواً فيه – ويشعر نحوه بالفخر والولاء ، ويعتز بهويته وتوحده معه ، ويكون منشغلاً ومهموماً بقضاياه ، وعلى وعي وإدراك بمشكلاته ، وملتزماً بالمعايير والقوانين والقيم الموجبة التي تعلي من شأنه وتنهض به ، محافظاً على مصالحه وثرواته ، مراعياً الصالح العام ، ومشجعاً ومساهما في الأعمال الجماعية ومتفاعلاً مع الأغلبية ، ولا يتخلى عنه حتى وإن اشتدت به الأزمات .
د- تصنيف الانتماء
وحسب هذا المفهوم تتعدد محاولات تصنيف الانتماء التي أفرزتها كتابات الباحثين والمتخصصين على النحو التالي :
1) تصنيف حسب الموضوع ( الانتماء للإسلام – الأسرة – الوطن) والمستويين الآخرين متفرعين عن الأول.
2) تصنيف نوعي ( مادي يعتبر الفرد عضو في الجماعة، ظاهري يعبر عن مشاعره لفظياً، إيثاري يعبر عن الموقف الفعلي).
3)   تصنيف حسب طبيعته ( إما قبل عضوية الفرد في الجماعة - أو بعد عضويته فيها )
4) تصنيف في ضوء السوية ( سوي يتفق مع معايير الجماعة - وغير سوي يتخذ مواقف عدوانية منها ) .
5) تصنيف كيفي ( شكلي بحكم العضوية تحت تأثير الجنسية واللغة، وموضوعي حقيقي يدرك الفرد فيه حقائق الواقع ويكون فيه مشاركاً، زائف حيث الرؤية غير الحقيقية للواقع).

 ه- أنماط أللانتماء
1)   انتماء حقيقي:
يكون فيه لدى الفرد وعي حقيقي لأبعاد الموقف ، والظروف المحيطة بوطنه داخلياً وخارجياً ، ويكون مدركاً لمشكلات وقضايا وطنه ، وقادراً على معرفة أسبابها الحقيقية وطبيعة هذه المشكلات ، وموقفه منها ، والاكتراث بآرائها ونتائجها ، ويكون المنتمي هنا مع الأغلبية ويعمل لصالحها ، ويؤمن بأن مصلحة الأغلبية والعمل من أجل الصالح العام وسلامة المجتمع ونموه وتطوره ، هو الهدف الذي يجب أن يسمو على الفردية والأنانية .

2) انتماء زائف:
هو ذاك الانتماء المبني على وعي زائف ، بفعل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي قد تشوه حقيقة الواقع في عقول المواطنين ، وبالتالي قد تصبح رؤيتهم للأمور والمواقف غير حقيقية وغير معبرة عن الواقع الفعلي، ومن ثم يصبح الوعي والإدراك لهذا الواقع وعياً مشوهاً وبالتالي ينبثق عنه انتماء زائف ضعيف .

3) انتماء لفئة بعينها:
وهنا يعمل الفرد على مصالح الفئة التي ينتمي إليها دون سواها من الفئات داخل المجتمع الواحد ، وبالرغم من أن وعيه بها وعي حقيقي وانتماءه لها انتماء حقيقي ، إلا أنه قياساً على انتمائه للمجتمع ككل فهو وعي غير حقيقي وانتماء غير حقيقي ، لأنه يعمل وينتمي لجزء من الكل فقط ، فلا يعي ولا يدرك ولا يعمل إلا لصالح هذا الجزء ، ويترتب على ذلك آثار وخيمة من تفتيت لبنية المجتمع  وربما كان سببا لوجود الصراع بين فئاته ، ويزداد حدةً كلما ازدادت الهوة بين هذه الفئات والمحصلة النهائية تدهور المجتمع وتفككه ، إذ ستعمل كل فئة في الغالب الأعم  لصالحها هي فقط ، ولو على حساب غيرها من الفئات .
إن التأصيل النظري لمفهوم المواطنة والانتماء يبين أن المواطنة هي الدائرة الأوسع التي تستوعب مختلف الانتماءات في المجتمع كما أنها تضع من المعايير التي تلزم الأفراد بواجبات والتزامات معينة تحقق الاندماج والتشاركية في تحقيق مصالح الأفراد والوطن من ناحية ، ومن ناحية أخرى تتسم المواطنة وسبل تكريسها بالمسؤولية العامة والأهداف الوطنية التي يمكن تحقيقها من خلال أطر رسمية وبنية وعي مخطط لها ويتم الإشراف عليها وتقييمها من قبل أجهزة الدولة والمحاسبة على الإخلال بمبادئها من خلال مؤسسات الدولة كل حسب تخصصها وطبيعة عملها ، في حين أن الانتماء يلعب الدور الأساس في تشكيله العديد من القوى الأيديولوجية والثقافية والاجتماعية التي قد لا يمكن السيطرة عليها ، إذ يتم ذلك في الأسر والقبائل والعشائر ، و من خلال الدوائر الفكرية والدينية الأخرى التي ربما تفضي في بعض الأحيان إلى ممارسات مناوئة لمبدأ المواطنة ذاته .
ومن ثم تعد المواطنة هي البوتقة التي تضمن انصهار جميع الانتماءات لصالح الوطن ضمن أطر نظامية  ومن خلال الالتقاء على أرضية المصلحة الوطنية العامة، ويتم ذلك بناء على معطيات الفكر العالمي اليوم والتي يروج لها في ساحاتنا الفكرية ومنتدياتنا الثقافية من خلال الأبعاد التالية :
1)   الهوية.
2)   الانتماء.
3)   التعددية وقبول الآخر.
4)   الحرية والمشاركة السياسية.
فما هو موقف الشباب المغربي محل هذه الدراسة الاستكشافية من الأبعاد الأساسية الأربع لمفهوم المواطنة في ظل المتغيرات العالمية التي نمر بها، وما هي أهم هذه المتغيرات المصاحبة للانفتاح الثقافي المعاصر، وما هي أهم الاتجاهات المعاصرة في تربية المواطنة ?.  

II- الحقــوق
هناك نوعان من الحقوق في النظام الدستوري على اختلاف توجهاته ومنطلقا ته هما:
حقوق الإنسان، وحقوق المواطن. وتمثل الأولى مجموعة الحريات التي يجب أن تتوفر لكل فرد من أفراد الجماعة الاجتماعية دون أن يترتب على ممارسته لها ارتكاب عمل يخالف القانون، ومن تلك الحريات حرية التعبير عن الرأي، وحرية الاعتقاد ، وحرية الانتقال، إضافة إلى حق الملكية (في النظم اللبرالية) وحرمة مكان الإقامة، وتوفير الأمان للحياة الشخصية. هذه الحزمة من الحقوق يتمتع بها كل من يسكن البلد المعني وفق نظام الإقامة الذي يوفره القانون، ولا تقتصر مظلتها على المواطنين وحدهم، وهو ما يطلق عليه "الحقوق المدنية".
النوع الثاني من الحقوق فيقتصر على كل من يتمتع بالمواطنة وهو أوسع مدى إذ يكفل لصاحبه حق المشاركة السياسية باختيار أعضاء المجالس النيابية، وحق الترشيح لتلك المجالس، وإبداء الرأي في كل أمر من الأمور السياسية والانتماء إليها، وممارسة الاحتجاج السياسي بمختلف مظاهره ووسائله، وهذه الحزمة من الحقوق هي ما يعبر عنه "بالحقوق السياسية" وتمثل جوهر "المواطنة".
ولا توجد تلك الحقوق في النظم السياسية غير الدستورية حيث تولى الحكم أرستقراطية تمارس السلطة الأبوية أو تستمد شرعيتها بالوكالة من سلطة سيادة أجنبية ولا تنظر إلى الشعب المكون لنسيج الجماعة الاجتماعية سوى النظرة إلى الرعية التي يقع على كاهلها إعالة حكامها، وتدين لهم بالسمع والطاعة، عندئذ لا يحصل هؤلاء على أي نوع من الحقوق إلا مما تمنحهم إياه الطبقة الحاكمة. كما لا تعدم السلطة الدكتاتورية- في النظم الدستورية اسما- لا تعدم السبيل إفراغ النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق السياسية من مضمونها وبذلك يتم تقييد حقوق المواطنة، وحرمان المواطنين من المشاركة السياسية.
 ولما كانت الحركة الدستورية في بلد ما تأتي نتاج قيام القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في وضع حد للسلطة المطلقة بتحريك الجماهير لانتزاع الحقوق السياسية للأمة من خلال الدستور.
إن مفهوم المواطنة يتضمن حقوقاً يتمتع بها جميع المواطنين المغاربة وهي في نفس الوقت واجبات على الدولة والمجتمع منها:
- جميع المغاربة سواء أمام القانون.
- الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد حرية ممارسة شؤونه الدينية.
- الرجل والمرآة متساويان في التمتع بالحقوق السياسية.
- حرية التجول وحرية الاستقرار بجميع أرجاء المملكة.
- حرية الرأي وحرية التعبير بجميع أشكاله وحرية الاجتماع.
- حرية تأسيس الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة نقابية وسياسية حسب  اختيارهم. ولا يمكن أن يوضع حد لممارسة هذه الحريات إلا بمقتضى القانون.
- لا يلقى القبض على أحد ولا يعتقل ولا يعاقب إلا في الأحوال وحسب الإجراءات المنصوص عليها في القانون.
- المنـزل لا تنتهك حرمته ولا تفتيش ولا تحقيق إلا طبق الشروط والإجراءات المنصوص عليها في القانون.
- لا تنتهك سرية المراسلات.
- يمكن جميع المواطنين أن يتقلدوا الوظائف والمناصب العمومية وهم سواء فيما يرجع للشروط المطلوبة لنيلها.
- التربية والشغل حق للمواطنين على السواء.
- حق الإضراب مضمون.
- حق الملكية وحرية المبادرة الخاصة مضمونان.
هذه الحقوق يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين بدون استثناء سواء أكانوا مسلمين أم أهل كتاب أم غيرهم في حدود التعاليم الإسلامية فمثلاً حفظ الدين يجب عدم إكراه المواطنين من غير المسلمين على الإسلام قال تعالى : ¼لا إكراه في الدين» (البقرة : 256)، وكذلك الحرية فهي مكفولة لكل مواطن بغض النظر عن دينه أو عرقه أو لونه، بشرط ألا تتعدى إلى حريات الآخرين أو الإساءة إلى الدين الإسلامي.

III- الواجبـات:
تختلف الدول عن بعضها البعض في الواجبات المترتبة على المواطن باختلاف الفلسفة التي تقوم عليها الدولة، فبعض الدول ترى أن المشاركة السياسية في الانتخابات واجب وطني، والبعض الآخر لا يرى المشاركة السياسية كواجب وطني.
ويمكن إيراد بعض واجبات المواطن في المملكة المغربية التي منها :
    - على المواطنين جميعهم أن يساهموا في الدفاع عن الوطن.
- على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده   الصلاحية لإحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في الدستور.
    - على الجميع أن يتحملوا متضامنين التكاليف الناتجة عن الكوارث التي تصيب البلاد.
هذه الواجبات يجب أن يقوم بها كل مواطن حسب قدرته وإمكانياته وعليه الالتزام بها وتأديتها على أكمل وجه وبإخلاص.

VI -  المشاركة المجتمعية
إن من أبرز سمات المواطنة أن يكون المواطن مشاركاً في الأعمال المجتمعية، والتي من أبرزها الأعمال التطوعية فكل إسهام يخدم الوطن ويترتب عليه مصالح دينية أو دنيوية كالتصدي للشبهات وتقوية أواصر المجتمع، وتقديم النصيحة للمواطنين وللمسئولين يجسد المعنى الحقيقي للمواطنة.

V -  القيم العامـة
 وتعني أن يتخلق المواطن بالأخلاق الإسلامية والوطنية والتي منها:
·  الأمانة: ومن معاني الأمانة عدم استغلال الوظيفة أو المنصب لأي غرض شخصي.
·  الإخلاص: ويشمل الإخلاص لله في جميع الأعمال، والإخلاص في العمل الدنيوي وإتقانه، والإخلاص في حماية الوطن.
·  الصدق: فالصدق يتطلب عدم الغش أو الخداع أو التزوير، فبالصدق يكون المواطن عضواً نافعاً لوطنه.
·  الصبر: يعد من أهم العوامل التي تساعد على ترابط المجتمع واتحاده.
·  التعاضد والتنا صح: بهذه القيمة تجعل المجتمع مترابطاً، وتتألف القلوب وتزداد الرحمة فيما بينهم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire