lundi 3 janvier 2011

مكونات المواطنة 3


 -VIIالمواطنة في التشريعات الحديثة والقانون الدولي
تظهر المواطنة من جانبها المواطن باعتباره مشاركا فعالاً في المجتمع السياسي، إن المواطنة مشروطة حتى الآن بالجنسية، لذلك فان المجموعة الدولية اهتمت بقضايا الدولة المستقلة مجدداً، أي تلك التي نالت استقلالها، وتلك التي كانت موضوعاً لمسيرة حل الدولة وانفصالها، وحيث تناولت مسألة منح جنسيتها للأفراد وفيما يتعلق بالحقوق الإنسانية، إن القانون الدولي لا يعارض التفريق بين المواطنين والأجانب، ولا يعتبر انه تمييز غير مبرر، بيد أن هذا الخطر من التمييز قد اتخذ بعض التوسع مما أدى إلى اهتمام القانون الدولي بموضوع منح الدولة لجنسيتها حيث تحدد الحقوق السياسية للمواطنين وإمكانية مشاركتهم في الشؤون العامة وترتبط إذن بالتنظيم الديمقراطي للدولة، تحدد المواطنة والجنسية كلتاهما صلة قانونية، بيد أن صلابة هذه الصلة متفاوتة والجنسية تتصل بارتباط الفرد بالدولة كما أكدت محكمة العدل الدولية في القرار المتعلقة بقضية Nottebohm، كما أن وظيفة الجنسية إسناد مركز موضوع حيث تنجم عنه بالنسبة للدولة سلطات والتزامات في علاقاتها مع رعاياها ونظرائها ورعايا هذه الأخيرة.
ويعترف القانون الدولي بسلطة الدولة لتحديد القواعد المتعلقة بجنسيتها بيد أن الحد من هذا الاختصاص قائم على قاعدة عدم حجية وسريان الجنسية غير النظامية دولياً، إن التطور الراهن للقانون الدولي يتركز بمصلحة المجموعة الدولية بشرط منح الجنسية في حدود حيث تؤدي إلى مخاطر تحد من عدد الأفراد الذين يمكنهم من ممارسة الحقوق السياسية في الدولة.
والواقع، إن الجنسية التي تشكل العلاقة الفعالة والحقيقة بين الفرد والدولة يبدوا أنها معيبة في معظم هذه الحالات، كما أن القانون الدولي يمكنه أن يعارض مرة واحدة: قوانين الجنسية التقييدية جداً، والتي لا تعترف بالنتيجة بالعلاقة الفعالة بين بعض الأفراد ودولتهم المقيمين فيهاـ ثم القوانين الواسعة جداً التي على العكس تخفف هذه العلاقة ولا تعترف بها كخيار منح الجنسية إن النقطة المشتركة بين هذين النموذجين من القوانين أنها لا تعتبر العلاقة الفعالة والحقيقة بين الفرد والدولة معياراً لمنح المواطنة.
إن قوانين الجنسية المعتمدة في الدول المستقلة مجدداً تحدد، من جهة الأشخاص الذين يشكلون السكان الأصليين للدولة وتطرح من جهة أخرى، الشروط التي تسمح لأشخاص آخرين بالحصول على الجنسية وبصورة غير مباشرة المواطنة.
إن الرهانات على مسائل الجنسية والمواطنة مهمة من حيث حقوق الإنسان ولاستتباب السلم والأمن الدوليين وخاصة في بعض مناطق أوربا التي تضم مختلف الأصول القومية، لذلك فان لجنة الخبراء عن الجنسية في المجلس الأوربي كانت قد كلفت بصياغة اتفاقية عن الجنسية، هذه الاتفاقية تعترف بان يبقى ضمن اختصاص الدولة تحديد مواطنيها وهذا الاختصاص يجب أن يمارس وحقاً للاتفاقيات الدولية والقانون الدولي العرفي ومبادىء القانون المعترف بها عامة في موضوع الجنسية وتفرض كمبدأ عام بان لكل شخص الحق في جنسيته، ولا يجوز تجريد احد من جنسيته تعسفاً ولا يقبل أي تمييز كما وضعت من جانب آخر بعض المبادىء المتعلقة بإسناد الجنسية وبالمصادقة على هذه الاتفاقية تتعهد الدولة بمنح الحق الكامل بالجنسية لكل طفل يكون احد والديه من رعايا الدولة والأشخاص الذين ولدوا على أرضها والا أصبحوا عديمي الجنسية، كما تتعهد الدولة بان تفتح إمكانيات التجنس للأشخاص المقيمين فيها وبصورة قانونية واعتادوا على إقليمها ولا يجوز ان تزيد مدة الاقامة المطلوبة على عشر سنوات.
المواطنون المنتمون للاقليات:
ادرجت مسألة حماية الاقليات مجدداً على جدول اعمال المنظمات الدولية العالمية والاقليمية فقد دفعت احداث يوغسلافيا السابقة انهيار الكتلة السوفيتية مسألة الاقليات الى المستوى الاول للضمير العالمي.
ان مصلحة المجموعة الدولية في موضوع الاقليات حتى التوت منذ عام 1945 وحتى 1989 بفعل التعارض بين الكتلتين الذي رسخ منظوراً ثنائي القطب لمشاكل العلاقات الدولية.
هذه المصلحة تركزت اليوم مجددا على مفهوم الاثنية بسبب عدة عوامل كاعادة اكتشاف تضامنات محلية تجاه العولمة او انبعاثات انظمة سياسية قائمة على الرابطة الاثنية- القومية وكان للمنظمات الدولية دور مهم مارسته لتقوية التقدم الذي حصل في الموضوع من قبل بعض الدول وشجعت الاخرى على تحسين قوانينها وممارساتها. ان التنظيم الراهن لحقوق الاقليات تعدد ولكنه لم يؤد الى نظام منسق وشامل لحماية الاقليات القومية في القانون الدولي.
وضع وتقنين حقوق الاقليات:
منذ الثورة الفرنسية عام1789 وحتى الحرب العالمية الاولى لم تقحم قضية الاقليات حيث (انه ليس هناك قضية اقليات قومية) اهمل حقوق الانسان والمواطن الصادر عام 1789 حقوق الاقليات ولم يهتم الا بحقوق الانسان بصورة مجردة. كل حق ناتج عن الثورة الفرنسية يقوم على مفهومين: الانسان والدولة.
ولد حق الاقليات مع عصبة الامم التي شكلت حماية حقوق الاقليات جزءاً مهماً من برنامجها وادارة معاهدات السلام في عامي 1919-1920 م للمرة الاولى في التاريخ ضمان حقوق الاقليات.
وهذه الحقوق محدودة جوهرياً بحقوق الافراد المنتمين للاقليات دون ان يجري الاعتراف السياسي بها.
ان النظام الذي اقيم بمعاهدات الاقليات ورقابة عصبة الامم تتضمن على كل حال بذرة عناصر نظام لحماية حقوق الانسان: وجود قاعدة مشتركة عليا لحقوق الدول وقانون العلاقات الدولية واعتماد مؤيد جزائي للقاعدة بإقامة رقابة ثلاثية وسياسية ودبلوماسية من قبل مجلس عصبة الأمم ورقابة قضائية من محكمة العدل الدولية الدائمة.
الفكر الإسلامي للمعاهدات كانت كما فسرتها محكمة العدل الدولية الدائمة في قضية مدارس الأقليات في ألبانيا لضمان تمتع المجموعات الاجتماعية المدمجة في الدولة بإمكانية التعامل السلمي وذلك بالمحافظة على الخصائص التي تختلف فيها عن الأغلبية لبلوغ هذا الهدف يجب أن يضمن للا فراد المنتمين للأقليات مساواة كاملة مع الرعايا الآخرين للدولة وذلك بإعطائهم إمكانية المحافظة على خصائصهم الاثنية وتقاليدهم.
إن نظام حماية الأقليات الذي وضع من قبل عصبة الأمم لم يطبق بسبب انحيازها، بينما كانت القوى الكبرى غير خاضعة لنفس الالتزامات التي كانت دول أوربا الوسطى والشرقية ملتزمة بها بسبب فشل يحمل أحكام المنظمة الدولية.
وقد تمسكت الحركة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لحماية حقوق الإنسان باعتبـارهـا حقاً فردياً يتمتـع به كــل شخص دون تمييـز شخصي مبني على العرق أو الجنس أو الدين، وأصبح مبـــدأ عدم التمييز احد المبادىء الجوهريـة لحقوقه الفرديـة ويسـمح بحمـاية ضمنيــة للأقليات.
الإطار العالمي الشامل لحقوق الأقليات:
يتشكل الإطار العالمي لحماية الأقليات من نوعين من النشاطات التي قادتها الأمم المتحدة، نشاط معياري ونشاط رقابي.
1- النشاط المعياري للأمم المتحدة:
النص الأول التحريض كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 الذي أعلن في مادته الثانية الاعتراف بالحقوق الأساسية لكل فرد دون تمييز مبني على العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين هذا المبدأ ورد بدقة في إعلان اليونسكو حول العرق والمعتقدات العرقية الصادر عام1978 وفي إعلان القضاء على كافة أشكال التعصب والتمييز المبني على الدين أو المعتقد الصادر عام1981 ثم تسارعت النصوص بالنمو: اتفاقية منع وقمع جريمة الابادة الجماعية في سنة 1948 واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام1965.
أي من هذه النصوص لم يورد صراحة ذكراً للأقليات ولكن احترامها من الدول يتطلب المساواة في معاملة جميع الأفراد مهما كان دينهم أو عرقهم  ويحظر إذن أن يكون للإفراد المنتمين للأقليات موضع تدابير تمييزية على أساس خصائصهم الاثنية والثقافية.
بينما يكمل العهد الدولي الحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام1966 الحقوق المعلنة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكد مبدأ عدم التمييز فانه يمثل العودة إلى مراعاة الأقليات في إطار حقوق الشعوب بفضل المادة 27منه التي نصت على انه لا يجوز في الدول التي يوجد فيها أقليات اثنية أو دينية أو لغوية أن يحرم الأشخاص المنتمون إلى الأقليات المذكورة من حق التمتع بثقافاتهم الخاصة أو المجاهرة بدينهم وإقامة شعائرهم أو استخدام لغتهم بالاشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم.
على الرغم من أن هذه المادة تشكل تقدما في حماية حقوق الأقليات إلا أنها تتضمن بعض النقاط السلبية لأنها أشارت فقط إلى الأقليات الموجودة أي أنها تلك المعترف بها مما يجيز لبعض الدول بان تعلن أنها ليست لديها أقليات على أراضيها، يضاف إلى ذلك أن الحقوق المعلنة ليست حقوقاً فردية باستبعاد أي حق للأقليات كونها مجموعة. وأخيرا فان المنحى السلبي للجملة يقترح مجرد التزام بالتسامح من الدولة دون التزام لاتخاذ تدابير ايجابية لتعزيز ثقافة ودين أو لغة الأقلية.
على أن تفسير المادة 27 في تطور، فقد اعترفت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في تعليقها العام المؤرخ في 6/نيسان/1994 على المادة 27 بأنه رغم التقارير السلبية المستخدمة فان المادة 27 تعلن عن وجود حق وتتطلب أن هذا الحق لا يجوز رفضه من أي شخص كما تتطلب أيضا تدابير ايجابية يجب أن تتخذ لحماية حقوق الأشخاص المنتمين للأقليات ضد أعمال الدولة نفسها وضد أعمال الأفراد والآخرين على إقليم الدولة.
إن الحماية المضمونة بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية قد اكتملت مؤخراً بنص خاص اعتمد من لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة بناء على مقترح من يوغسلافيا وهو إعلان حقوق الأشخاص المنتمين للأقليات القومية أو الاثنية والدينية واللغوية الصادرة في 21/شباط/1992.
إن هذا النص ليس ذا طبيعة قسرية ضاغطة، انه نص توجيهي يتضمن قائمة من حقوق الأقليات، انه يربط حماية حقوق الأقليات بالاستقرار السياسي والاجتماعي للدول وتقوية الصداقة والتعاون بين الشعوب، لقد اكتملت الحقوق المنصوص عليها في المادة 27 من العهد الدولي بحق تشكيل جمعيات وبحق الاتصالات السلمية مع غيرها من الأقليات وخارج الحدود ويمكن أن تمارس الحقوق فردياً أو جماعياً، حتى ولو كان هذا النص هو الأول الذي لم يعالج إلا الأقليات فانه يتضمن بعض الضعف كغياب تعريف الأقلية وغياب ضمان الحقوق الجماعية وغياب آلية الرقابة الخاصة وتشكل هذه النقطة الأخيرة احد جوانب الضعف في حماية حقوق الأقليات وتتطلب أن تتوقف على نشاط رقابة الأمم المتحدة في هذا الميدان.
2- نشاط رقابة الأمم المتحدة:
هذا النوع من النشاط يتوزع إلى نوعين من الرقابة: رقابة ذات طبيعة سياسية ورقابة خبراء مستقلين على شكاوى فردية، إن أصول الرقابة السياسية تتركز جوهرياً على تسمية لجنة حقوق الإنسان لمقررين خاصين أو مجموعات عمل تكلف بمهمة موضوعية أو قطرية وتمارس ضغطاً سياسياً ودبلوماسياً على سلطات الدول التي توجد فيها انتهاكات لحقوق الأقليات، المواضيع التي تناولتها هي مسألة التعصب الديني عام 1987 وموضوع الأقليات عامــة لـ F.Capotorti عام 1994 أما الولايات القطرية فتتعلق برومانيا عام 1990 والعراق عام 1992، إن الهدف من المقررين العامين هو تسهيل الحوار لمحاولة إيجاد حلول منتظمة ودائمة وغالباً.
ومن ناحية أخرى، فان اللجنة المعنية بحقوق الإنسان تملك صلاحية بموجب البرتوكول الاختياري للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لدراسة الشكاوى الفردية المثبتة على المادتين 26 (مبدأ عدم التمييز) و27(حقوق الأقليات) من العهد، أنها معنية بصورة خاصة سكان البلاد الأصليين والأقليات اللغوية.
القضية الأولى المهمة تعلقت بهندية من كندا وحقها في العيش في مكان محدد للتحفظ، خلصت اللجنة إلى انتهاك المادة 27 من العهد إذ أن الحق بالعيش في تحفظ لا يجوز في أن يضمن كما جاء في المادة 27 وان الشرعية لا يمكن أن تجد مجموعة إلا في التحفظ وكان يجب السماح لها بإعادة الاندماج في التحفظ نتيجة هذا القرار عمدت كندا إلى تعديل قانونها حول الهنود وإعادة الرغبة إلى التحفظ.
كان على اللجنة أن تصدر أحكاما في قضايا أخرى عن مزاعم انتهاك المادة25 من العهد التي تنص على الحق في المشاركة في القرارات المتعلقة بالأقلية، ومن جانبهم فان الفرنسيين من بروتون أرسلوا عدة حالات إلى اللجنة المعنية بحقوق الإنسان بموجب المادة27 بيد أن فرنسا عند انضمامها إلى العهد الدولي أعلنت بان المادة 27 غير قابلة للتطبيق على إقليم الجمهورية بموجب مبدأ عدم التجزئة المعلن في المادة 2 من الدستور، اعتبرت اللجنة بان هذا الإعلان معادلة للتحفظ ورفضت بالتالي شكاوى عديدة من أهالي بروتون، وخلافاً لذلك فان فرنسا قد اعترفت بحق مواطنيها المنتمين في الواقع إلى الأقلية بالمساواة وعدم التمييز لذلك فان اللجنة تمكنت من إصدار أحكام من قضايا أخرى على أساس احترام فرنسا لالتزاماتها التعاهدية وخاصة المادة 24 من العهد الدولي لضمان محاكمة عادلة.
نظريات تحديد المواطن:
اختلفت الاتجاهات في الفقه والقضاء بصدد أسس تعيين القانون الذي يحدد به المواطن، ويمكن تلخيص هذه الاتجاهات كما يلي:
1- نظرية الإرادة:
هناك اتجاه يذهب إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً لإرادة ورغبة الشخص بشرط أن تكون هذه الإرادة كاملة وصحيحة قانوناً وصريحة وغير مخالفة للنظام العام فالمواطن حسب هذا الاتجاه مسالة شخصية أساسا والنية احد عنصريه المكونين له ويجب الرجوع إلى إرادة الشخص عند تحديد موطنه، أما إذا كان التعبير عن الإرادة غير صريح فعندئذ تقوم تصرفات ووقائع خارجية مقام التعبير عنها، وقد انتقد هذا الاتجاه لان آثار المواطنة تتعلق بسيادة الدولة، كتطبيق قانون معين أو انعقاد الاختصاص لمحكمة مختصة، فلا يصح ترك تحديد ذلك لمشيئة وإرادة الشخص فضلاً عن أن الإرادة قد تكون ناقصة فلا يمكن التعبير عنها أو غير صريحة فلا يمكن إثباتها وإزاء هذه الانتقادات هجر الفقه والقضاء هذا الاتجاه في جميع الدول.
2- نظرية القانون الشخصي:
هناك اتجاه ثان يذهب إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً للقانون الشخصي الذي قد يكون هو قانون الدولة التي ينتمي إليها الشخص بجنسيته في الدول التي تجعل القانون الشخصي هو قانون الجنسية لفرنسا وقد يكون هو قانون المواطن في الدول التي تجعل القانون الشخصي هو قانون المواطن كإنكلترا.
ويستند هذا الاتجاه إلى أن المواطن يترك أثارا متعلقة بسيادة الدولة كتعيين القانون واجب التطبيق والمحكمة المختصة، فلا يمكن والحالة هذه أن يترك لقانون دولة أجنبية ليحكم فيما إذا كان الشخص متوطناً في الدولة أو في الخارج، وفضلا عن ذلك يؤكد هذا الاتجاه أن المواطن عنصر في الحالة ومن ثم هو يتحدد وفقاً للقانون الذي يحكم الحالة وهو قانون دولة الشخص.
لقد انتقد هذا الاتجاه أيضا لإهماله حالة عديم الجنسية الذي لا يمكن تحديد موطنه عند التنازع لأنه لا يحمل جنسية أي دولة، خاصة في الدولة التي تعتبر القانون الشخصي هو قانون الجنسية، كما أن الأخذ بهذا الاتجاه يؤدي إلى حلقة مفرغة إذا كانت الأحوال الشخصية تخضع لقانون المواطن كما هو الحال في إنكلترا. لأنه إذا قلنا أن المواطن يتحدد بالقانون الشخصي، والقانون الشخصي هنا يكون قانون المواطن، ولمعرفة هذا القانون يجب أن تعرف أين المواطن أولا، ولمعرفة هذا المواطن لابد من معرفة القانون الذي يتحدد به أولا وهكذا دواليك.
وحتى في حالة اعتبار القانون الشخصي هو قانون الجنسية، وليكن هذا القانون الإنكليزي مثلاً فانه يحيل مسالة تحديد المواطن إلى قانون المواطن ولمعرفة المواطن يجب الرجوع إلى قانون الجنسية، وقانون الجنسية يحيلنا من جديد إلى قانون المواطن وهكذا دواليك.
وإزاء هذه الانتقادات لم يأخذ القضاء بهذا الاتجاه كثيراً، حيث هناك بعض قرارات صدرت بالاستناد إليه، ومنها قرار محكمة (جراس) المدنية عام 1926 وقرار محكمة جنيف عام1919 وقرار محكمة(جاندة) في بلجيكا عام 1920 وقرار محكمة أمستردام عام1916.
3- نظرية قانون المحكمة:
ويذهب اتجاه ثالث إلى ضرورة تحديد المواطن وفقا لقانون القاضي المعروض عليه النزاع(Tex Fort) على أساس أن المواطن عبارة عن علاقة قانونية بين شخص ودولة وان تعيينه مسألة متعلقة بتكييف هذه العلاقة والغالب في التكييف أن يخضع لقانون القاضي فعندما تثار مسألة تحديد المواطن أمام القاضي لتطبيق قاعدة من قواعد تنازع القوانين بشأنها فان تحديد المواطن حينذاك يكون بحد ذاته بمثابة تحديد لهذه القاعدة أو بمثابة عنصرا شرط في تطبيقها وهو أمر يجب أن يخضع لقانون القاضي المتعلقة بالسيادة.
برغم أن الفقه قد أيد هذا الاتجاه في فرنسا وإنكلترا وألمانيا وهولندا ولبنان إلا انه انتقد أيضا لأنه يؤدي إلى بعض النتائج غير المنطقية، وخاصة عندما يكون الشخص المراد تحديد موطنه في غير دولة القاضي.وقيل أيضا إن مسالة معرفة ما إذا كان الشخص يتوطن في بلد من البلدان، لا يمكن أن تعد من مسائل التكييف بأنه حال من الأحوال.
4- نظرية القانون الإقليمي:
ويذهب اتجاه رابع إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً للقانون الإقليمي أي قانون الإقليم الذي يدعى الشخص انه متوطن فيه باعتبار أن الجنسية والمواطن هما نقطتا الارتكاز اللتان يقوم عليها القانون الدولي الخاص فكما أن الجنسية أداة لتوزيع الأشخاص دولياً وان بيان من يتبعون الدولة ومن لا يتبعونها أمر متروك للدولة وحدها بصرف النظر عن مصالح الدول الأخرى فان حق تحديد من هو متوطن في إقليم دولة معينة يجب أن يترك لقانون تلك الدولة وبالتالي يجب أن يكون أمر تحديد المواطن خاضعاً لقانون الدولة التي يدّعي الشخص انه متوطن فيها دون قوانين سائر الدول الأخرى. ومن جهة أخرى فان الدولة لا تستطيع أن تفرض بقانونها اعتبار شخص ما متوطناً في دولة أخرى شان القاعدة في ذلك شانها في الجنسية حيث لا تستطيع الدولة أن تفرض على دولة أخرى اعتبار شخص ما تابعاً لها في الجنسية.وهناك اتجاه توفيقي يذهب إلى ضرورة تحديد المواطن وفقاً لقانون القاضي والقانون الإقليمي معاً، بحيث يتم تحديد المواطن بتطبيق قانون القاضي أولا لمعرفة ما إذا كان للشخص موطن في بلد القاضي أولا فإذا اتضح انه غير متوطن في بلد القاضي ترك القاضي قانونه الوطني وطبق قانون الدولة المطلوب الفصل في اعتبار الشخص متوطناً فيها فيتحدد الموطن حينذاك وفقاً لقانون تلك الدولة.
فهذا الاتجاه يوفق بين بعض من الاتجاهات السابقة ولا يتنافى مع فكرة السيادة في الوقت نفسه، لأنه يستبعد مساوىء الانطلاق من فكرة تطبيق قانون القاضي لتحديد الموطن خارج بلدة كما انه يضبط مبدأ تطبيق القانون الإقليمي ويكفل عدم إهدار سيادة قانون القاضي عندما يلزم القاضي بتطبيق قانونه الوطني أولا.
وقد أخذت بهذا الاتجاه قوانين بعض الدول وتبنته مؤتمرات دولية كمجموعة(بوستا منتي) الخاصة بالقانون الدولي الخاص بين دول أمريكا العام 1938 ويصرح القانون الدولي في كمبريدج الذي قرر سنة 1931 انه لا يمكن لشخص من الأشخاص أن يدعي بان له موطناً في دولة معينة ما لم يكن قانون هذه الدولة يعترف به.
وبدءاً يتضح أن هذا الاتجاه هو أوفق الاتجاهات لان المواطن عبارة عن رابطة بين شخص والدولة وهو بذلك يخضع للقانون العام ويتأثر بالاعتبارات السياسية ومبدأ السيادة الإقليمية مما يجب أن يتأثر به وتحديده قانون كل دولة لبيان من يعتبر متوطناً فيها ومن لا يعتبر.
خلاصة القول:
إن اثر ونفوذ الحقوق السياسية على مفهوم المواطنة يتضمن ثلاثة جوانب:
الاتجاه لتا طير شروط منح المواطنة، صياغة مبادىء تتعلق بفئة خاصة من المواطنين المنتمين للأقليات، إحداث تفريق في فئة غير المواطنين بين الأجانب المنتمين إلى المجموعات والأجانب خارج المجموعات، يؤدي أيضا إلى التساؤل عن بناء ديمقراطية متعددة الثقافات تأخذ بالاعتبار تعريفاً جديداً للأمة: امة متعددة الثقافات عائدة لوجود أقليات وأجانب والجدل الداخلي والخارجي حول الأنموذج السياسي لدولة الأمة.
كذلك يوجد ترابط معياري بين مفاهيم المواطنة والديمقراطية. إن مسائل حقوق الأقليات أو الأجانب نزعت أكثر فأكثر أسلحة النظرية السياسية الليبرالية لأنها وضعت موضع البحث النموذجي الديمقراطي الليبرالي، تفترض الديمقراطية المتعددة الثقافات مسبقا تنوعاً في الانتماءات الثقافية والأخلاقية والقيمية على إقليم الدول يتطلب البحث عن المواطنة التي يجب أن تكون متوافقة مع تعدد ولادات الأفراد، يجب التفكير إذن في مجتمع ديمقراطي لا يتطلب التطابق الحتمي مع المجموعة الثقافية والمجموعة السياسية يختلف الليبراليون وأنصار المجموعات على بناء المواطنة في هذا الإطار حيث يعتبر الليبراليون المواطنة كونها مركزاً قانونياً وان المشاركة تعود فيها إلى الخيارات الشخصية وعلى النقيض من ذلك يرى أنصار المجموعات بان المواطنة ممارسة وتعهد في المجال العام.
إن البعد الأساسي لأنموذج الديمقراطية المتعددة الثقافات هو في إدماج الاختلافات، مما يتعـــين العمــل بان يكون الدستور مكاناً للتعبير عن هذه الديمقراطية الجديدة.
وإذا كان يمكن أن تكون التطورات في الحقوق السياسية موضع جدل ونزاع كونهـــــا عنصراً لمركــــز الفـــرد الحر، فان تطـــــور القواعـد الدوليــة لم يؤد بعد إلى انسجــــــــام حقيقي في الحقـــوق المدنيــة


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire